الخالد ملا مصطفى البرزاني

ملا مصطفى البارزاني : ولد عام 1904 و تأثر في طفولته بالدور الذي تلعبه عائلته على الصعيدين الزمني و الروحي فقد جمع أجداده ما بين موقعهم الاجتماعي كأغوات و ملاكي أراضي و موقعهم الروحي كرجال دين و هاتان الصفتان تمثلان مصدر السلطة في الأرياف الكردية في العراق و عندما توفي في منفاه الأمريكي عام 1979 كان قد اختبر قوة الحركة الكردية و حدود إمكانيتها في الكفاح من أجل البقاء في محيط قاس لا يعرف الرحمة وتهيمن عليه حكومات لا تتورع أبداً عن سفك الدماء و أثناء طفولته كان البارزاني أشد المقاتلين شراسةً و أكثرهم صلابة و قوة على الإطلاق و قد اشتهرت في العشيرة الصغيرة و المؤلفة من 750

عائلة تعيش في المناطق الجبلية النائية و الوعرة في شمال ما بات يعرف باسم العراق بالصراعات التي خاضتها مع قوى أكبر منها و أيام السلطنة العثمانية و قبل وقت طويل من ثورتهم ضد البريطانيين و العراقيين اشتهر أبناء هذه العشيرة بكفاءتهم

القتالية و اشتهر زعمائهم بنفوذهم الواسع بسبب موقعهم القيادي

على الصعيد الديني ضمن مشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية و قد شنق

جد ملا مصطفى ووالده و احد أشقائه بسبب تمردهم على السلطة و كان يفاخر بأنه رضع من والدته في السجن و هو في الشهر التاسع مع سائر أفراد العائلة في سجن مدينة الموصل .

نشأ ملا مصطفى و كلمة ملا هي جزء من اسمه و ليس إشارة إلى أنه رجل دين

و اشتهر البرازانيون بانضباطهم الشديد أثناء المعارك و أنهم مستعدين لإلقاء أنفسهم في الهاوية من دون أي تردد في حال تلقي أمرا بذلك .

صفات الملا مصطفى البارزاني :

كان رجلاً قصير القامة ذو ملامح قاسية و يتمتع بقوة جسدية عظيمة و بقدرة كبيرة على الاحتمال و يبدو أصغرا مما هو علي فعلاً و كان لديه حاجبان كثيفان و عينان سوداوان و نظرات ثاقبة تفرض هيبته

على الآخرين بسهولة و كانت شخصيته قوية إلى درجة أن الأكراد يزعمون أنهم كانوا يشعرون بتأثيره عليهم من بعيد و يقول أحد مساعدي

ملا مصطفى أن كل فرد من عائلة البارزاني يعتبر نفسه أميرا و أشار إلى أن ملا مصطفى أسًر مرة أنه كان في السادسة و العشرية من عمره

عندما أدرك أن عليه تولي القيادة أي عشية
أول ثورة كبرى يقودها امتلك البارزاني سرعة البديهية و القدرة على إصدار الأحكام و الآراء و يعود ذلك إلى اقتصار تعليمه على ست سنوات دراسية على يد معلم خاص و أربعة سنوات أخرى في المدرسة الإسلامية في قريتهم النائية و بالإضافة إلى اللغة الكردية وفق اللهجة الكرمانجية الشائعة في شمال العراق و تركيا و الاتحاد السوفياتي السابق و أجاد إلى حد ما العربية و الفارسية و الروسية و كان يطعم خطبه بقصص كردية و فارسية وكان يتابع ما يجري في العالم من أحداث و يستمع في أخر حياته إلى نشرات الأخبار العربية التي تبث على الموجات القصيرة بواسطة جهاز راديو ( بروان ) ألماني الصنع .

كان يرفض المديح والتملق و يشكك في من يستخدم هذا الأسلوب كما كان قادرا على كشف الخداع و الكذب ولم يكن يقبل أن يتحدى أحداً سلطته ُولم يكن ديمقراطياً على الإطلاق بالنسبة إليه يجب أن تكون لدى الزعيم حاشية لذا جازى استخدام هذا التعبير لوصف المحيطين بهذا الرجل ذي العادات البسيطة فقد كان يحمل خنجراً معقوفا في زناده ويدخن شكائر يلفها بيده ويضعها في مبسم طويل مصنوع من خشب الورد وكانت لعبة الشطرنج تسليته المفضلة وكان البارزاني يخصص وقتاً لاستقبال الأجانب من الزوار على الرغم من انشغاله فضلاً من مواطنيه الأكراد سواء أكانوا مقاتلين بسطاء من البشمركة أم قادة عسكريين كباراً

تعلم البارزاني من تجاربه الطويلة أن لا يحمل أغراضاً كثيرة في المعارك وأن يغير معسكره كل ليلة وأن يتنقل مع مرافقيه من قرية إلى آخرة لتضليل الجواسيس الذي يشتبه دوماً فبأنهم يتعقبونه ويرصدون تركاته والسبب في ذلك يعود إلى التاريخ الكردي الحافل بالخيانات والخديعة ولم يكن تموينه البسيط يتطلب الاحتفاظ بأي سجلات فقد تم تخزين الشاي والسكر والرز بكميات كثيرة في المغاور التي يلجأ إليها الأكراد لاتقاء القصف الجوي وكان البارزاني يقاسم مقاتليه معيشتهم فيأكل مثلهم وينام في العراء معهم وبلغت شجاعته حد عدم إ ظهار أي تأثير أو شعور بالخوف حتى أثناء تعرضه للقصف العنيف وكان البارزاني يترك لقادته الميدانيين ومعظمهم من أبناء قبيلته حرية اتخاذ القرارات التكتيكية وكان يردد يكفيني ألف وخمسمائة مقاتل برزاني لأسيطر على سائر أنحا بلادي وترك البارزاني لدى القومين الأ كراد أحياناً انطباعا مقلقاً بأن الانتماء إلى عشيرة البارزاني يتقدم عنده على الهوية الكردية كان البارزاني قاسياً بدون رحمة وكان حريصاً جداً على فرض احترام التقاليد العشائرية وقد روى ضابط إسرائيلي زار كردستان العراق كيف عاقب ملا مصطفى البارزاني مقاتل من البشمركة رفض قبول الصلحة أو دية الدم التي تدفع عند ارتكاب جريمة شرف وطبق العدالة على هواه بقتل خصمه فقام البارزاني بإخراج ما يسميه

(مكتبة ) والمؤلف من حقيبة تحتوي قلم بار كر ذهبي ورزمة من الأوراق ونظارات ذات أطار ذهبي من تحت البطانية وكتب رسالة تتضمن أوامره باعتقال الرجل ومحاكمته وأدانته بتهمة القتل والحكم عليه بالإعدام وتنفيذ الحكم فيه قبل الفجر وعندما سأله الضابط الإسرائيلي عن سبب تجشمه عناء كتابة كل هذه الأوامر بدلا من إعدام الرجل فوراً أجابه البارزاني بلؤم وكيف تتحقق العدالة إذا أعدمناه فوراً ؟ هذه الملا حظة الساخرة التي أدلى بها البارزاني تكشف المسافة التي قطعها في مسيرة تحوله من أحد الوجهاء الجبلين إلى قائد قومي.

الحكومات التي قاتلها يتشاركان في رفضوهما للتعليم وخوفاهما من النتائج التي قد يحملها على صعيد تحرير الطبقات الدنيا.



موت البارزاني

أمضى ملا مصطفى البارزاني أخر أربعة أيام من حياته في أواخر شهر شباط من عام (1979) غائباً عن الوعي في مستشفى جورجيا ن وكانت وصية البارزاني أن يدفن في مسقط رأسه بارزان التي دمرتها القوات العراقية منذ زمن طويل انتقاماً منه ولإثبات أنها لن تبقي حجراً على حجر في كردستان وبما انه كان يدرك أن العراق قد لا يسمح بتلبية رغبته هذه.

طلب ملا مصطفى أن يدفن بلدة أوشنافية في كردستان إيران حيث خاض قبل ثلاث عقود معركة مهمة دفاعاً عن جمهورية مها باد وكانت أغلى أمنية لديه أن يموت في كردستان وسط أفراد عائلته لكنه كان مريضاً جداً ولم تكن حالته الصحية تسمح له بأن يستقل طائرة عادية فتم استئجار طائرة خاصة مزودة بقارورة أوكسجين لتساعده على التنفس وتقرر نقله إلى طهران في الثاني من آذار 1979 م لكن عشية يوم السفر طلب البارزاني مساعدته على الجلوس فسارع دو سكي إلى إعطائه وسادة ولكن ملا مصطفى طلب أن يجلس على كرسي وقال دو سكي أن رأسه أنحنى فجأة إلى الأمام ومات

اشكرك كل الشكرا يا اخ لوند